فصل: المالك الذي لا يجد ما يفي بكفايته:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.هل يعطى القوي المكتسب من الزكاة؟

القوي المكتسب لا يعطى من الزكاة مثل الغني.
1- فعن عبيد الله بن عدي الخيار، قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها، فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين فقال: «إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب» رواه أبو داود، والنسائي.
قال الخطابي: هذا الحديث أصل، في أن من لم يعلم له مال فأمره محمول على العدم.
وفيه دليل على: أنه لم يعتبر في أمر الزكاة ظاهر القوة والجلد، دون أن يضم إليه الكسب، فقد يكون من الناس من يرجع إلى قوة بدنه، ويكون مع ذلك أخرق اليد لا يعتمل، فمن كان هذا سبيله لم يمنع من الصدقة، بدلالة الحديث.
2- وعن ريحان بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» رواه أبو داود والترمذي، وصححه.
وهذا مذهب الشافعي، وإسحق، وأبي عبيد، وأحمد.
وقال الأحناف: يجوز للقوي أن يأخذ الصدقة إذا لم يملك مائتي درهم فصاعدا.
قال النووي: سئل الغزالي عن القوي من أهل البيوتات الذين لم تجر عادتهم بالتكسب بالبدن، هل له أخذ الزكاة من سهم الفقراء؟ قال: نعم.
وهذا صحيح جار على أن المعتبر حرفة تليق به.

.المالك الذي لا يجد ما يفي بكفايته:

ومن ملك نصابا، من أي نوع من أنواع المال - وهو لا يقوم بكفايته، لكثرة عياله، أو لغلاء السعر - فهو غني، من حيث إنه يملك نصابا، فتجب الزكاة في ماله، وفقير من حيث إن ما يملكه لا يقوم بكفايته فيعطى من الزكاة كالفقير.
قال النووي: ومن كان له عقار، ينقص دخله عن كفايته، فهو فقير، يعطي من الزكاة تمام كفايته، ولا يكلف بيعه.
وفي المغني قال الميمون: ذاكرت أبا عبد الله - أحمد بن حنبل - فقلت: قد يكون للرجل الإبل والغنم، تجب فيها الزكاة وهو فقير، وتكون له أربعون شاة، وتكون له الضيعة لا تكفيه، فيعطى الصدقة؟ قال: نعم، وذلك، لأنه لا يملك ما يغنيه، ولا يقدر على كسب ما يكفيه، فجاز له الاخذ من الزكاة، كما لو كان ما يملك، لا تجب فيه الزكاة.

.3- العاملون على الزكاة:

وهم الذين يوليهم الإمام أو نائبه، العمل على جمعها، من الاغنياء، وهم الجباة، ويدخل فيهم الحفطة لها، والرعاة للانعام منها، والكتبة لديوانها.
ويجب أن يكونوا من المسلمين، وأن لا يكونوا ممن تحرم عليهم الصدقة، من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: بنو عبد المطلب.

فعن المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب: أنه، والفضل بن العباس انطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثم تكلم أحدنا، فقال: يا رسول الله، جئناك لتؤمرنا على هذه الصدقات، فنصيب ما يصيب الناس من المنفعة، ونؤدي إليك ما يؤدي الناس، فقال: «إن الصدقة لا تنبغي لمحمد، ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس» رواه أحمد، ومسلم.
وفي لفظ: «لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد». ويجوز أن يكونوا من الاغنياء.
فعن أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحل الصدقة لغني، إلا لخمسة: لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين، تصدق عليه منها فأهدى منها لغني» رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأن أخذهم من الزكاة، إنما هو أجر نظير أعمالهم.
فعن عبد الله بن السعدي: أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الشام، فقال: ألم أخبر أنك تعمل على عمل من أعمال المسلمين فتعطى عليه عمالة فلا تقبلها؟ قال: أجل، إن لي أفراسا واعبدا، وأنا بخير، وأريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين، فقال عمر: إني أردت الذي أردت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيني المال فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني، وإنه أعطاني مرز مالا، فقلت له: أعطه من هو أحوج إليه مني، فقال: «ما آتاك الله عز وجل من هذا المال، من غير مسألة، ولا إشراف فخذه فتموله أو تصدق به، ومالا، فلا تتبعه نفسك» رواه البخاري والنسائي.
وينبغي أن تكون الاجرة بقدر الكفاية.
فعن المستورد بن شداد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له خادم فليتخذ خادما، أو ليست له دابة فليتخذ دابة، ومن أصاب شيئا سوى ذلك فهو غال» رواه أحمد، وأبو داود، وسنده صالح.
قال الخطابي: هذا يتأول على وجهين:
أحدهما: أنه إنما أباح اكتساب الخادم والمسكن، من عمالته، التي هي أجر مثله وليس له أن يرتفق بشئ سواها.
والوجه الثاني: أن للعامل السكنى والخدمة، فإن لم يكن له مسكن، ولا خادم استؤجر له من يخدمه، فيكفيه مهنة مثله، ويكترى له مسكن يسكنه، مدة مقامه في عمله.

.4- والمؤلفة قلوبهم:

وهم الجماعة الذين يراد تأليف قلوبهم وجمعها على الإسلام أو تثبيتها عليه، لضعف إسلامهم، أو كف شرهم عن المسلمين، أو جلب نفعهم في الدفاع عنهم.
وقد قسمهم الفقهاء إلى مسلمين وكفار.
أما المسلمون فهم أربعة:
1- قوم من سادات المسلمين وزعمائهم، لهم نظراء من الكفار، إذا أعطوا رجي إسلام نطرائهم، كما أعطى أبو بكر رضي الله عنه عدي بن حاتم، والزبرقان بن بدر، مع حسن إسلامهما، لمكانتهما في قومهما.
2- زعماء ضعفاء الايمان من المسلمين، مطاعون في أقوامهم يرجى بإعطائهم تثبيتهم، وقوة إيمانهم، ومناصحتهم في الجهاد وغيره، كالذين أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم العطايا الوافرة من غنائم هوازن.
وهم بعض الطلقاء من أهل مكة، الذين أسلموا، فكان منهم المنافق، ومنهم ضعيف الايمان، وقد ثبت أكثرهم بعد ذلك، وحسن إسلامه.
3- قوم من المسلمين في الثغور، وحدود بلاد الاعداء يعطون، لما يرجى من دفاعهم، عما وراءهم من المسلمين إذا هاجمهم العدو.
قال صاحب المنار: وأقول: إن هذا العمل هو المرابطة وهؤلاء الفقهاء يدخلونها في سهم سبيل الله، كالغزو المقصود منها: وأولى منهم بالتأليف في زماننا، قوم من المسلمين يتألفهم الكفار ليدخلوهم تحت حمايتهم، أو في دينهم.
فإننا نجد دول الاستعمار الطامعة في استعباد جميع المسلمين، وفي ردهم عن دينهم يخصصون من أموال دولهم سهما، للمؤلفة قلوبهم من المسلمين، فمنهم من يؤلفونه لاجل تنصيره، وإخراجه من حظيرة الإسلام، ومنهم من يؤلفونه لاجل الدخول في حمايتهم ومشاقة الدول الإسلامية، والوحدة الإسلامية، أفليس المسلمون أولى بهذا منهم؟
4- قوم من المسلمين يحتاج إليهم لجبابة الزكاة، وأخذها ممن لا يعطيها إلا بنفوذهم وتأثيرهم - إلا أن يقاتلوا، فيختار بتأليفهم وقيامهم بهذه المساعدة للحكومة أخف الضررين، أرجح المصلحتين.

وأما الكفار فهم قسمان:
1- من يرجى إيمانه بتأليفه، مثل صفوان بن أمية، الذي وهب له النبي صلى الله عليه وسلم الأمان يوم فتح مكة، وأمهله أربعة أشهر لينظر في أمره ويختار لنفسه، وكان غائبا، فحضر وشهد مع المسلمين غزوة حنين قبل إسلامه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم استعار سلاحه منه لما خرج إلى حنين، وقد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم إبلا كثيرة محملة، كانت في واد فقال: هذا عطاء من لا يخشى الفقر.
وقال: والله لقد أعطاني النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لابغض الناس إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لاحب الناس إلي.
2- من يخشى شره، فيرجى بإعطائه كف شره.
قال ابن عباس: إن قوما كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أعطاهم، مدحوا الإسلام، وقالوا: هذا دين حسن، وإن منعهم، ذموا، وعابوا.
وكان من هؤلاء أبو سفيان بن حرب، والاقرع بن حابس، وعيينة ابن حصن، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من هؤلاء، مائة من الإبل.
وذهبت الأحناف: إلى أن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط بإعزاز الله لدينه، فقد جاء عيينة بن حصن، والاقرع بن حابس، وعباس بن مرداس، وطلبوا من أبي بكر نصبهم، فكتب لهم به، وجاءوا إلى عمر، وأعطوه الخط، فأبى ومزقه، وقال: هذا شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيكموه، تأليفا لكم على الإسلام، والان قد أعز الله الإسلام، وأغنى عنكم، فإن ثبتم على الإسلام، وإلا فبيننا وبينكم السيف {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} فرجعوا إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقالوا: الخليفة أنت أم عمر؟ بذلت لنا الخط فمزقه عمر، فقال: هو إن شاء.
قالوا: إن أبا بكر وافق عمر، ولم ينكر أحد من الصحابة كما أنه لم ينقل عن عثمان وعلي أنهما أعطيا أحدا من هذا الصنف.
ويجاب عن هذا: بأن هذا اجتهاد من عمر، وأنه رأى أنه ليس من المصلحة إعطاء هؤلاء، بعد أن ثبت الإسلام في أقوامهم، وأنه لا ضرر يخشى من ارتدادهم عن الإسلام.
وكون عثمان وعلي لم يعطيا أحدا من هذا الصنف، لا يدل على ما ذهبوا إليه، من سقوط سهم المؤلفة قلوبهم، فقد يكون ذلك لعدم وجود الحاجة إلى أحد من الكفار، وهذا لا ينافي ثبوته، لمن احتاج إليه من الائمة، على أن العمدة في الاستدلال هو الكتاب والسنة فهما المرجع الذي لا يجوز العدول عنه بحال.
وقد روى أحمد، ومسلم عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه، فأتاه رجل فسأله، فأمر له بشاء كثير، بين جبلين، من شاء الصدقة، فرجع إلى قومه فقال، يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة.
قال الشوكاني: وقد ذهب إلى جواز التأليف العترة والجباني، والبلخي، وابن مبشر.
وقال الشافعي: لا تتألف كافرا، فأما الفاسق فيعطى من سهم التأليف.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: قد سقط بانتشار الإسلام وغلبته، واستدلوا على ذلك، بامتناع أبي بكر من إعطاء أبي سفيان، وعيينة، والاقرع، وعباس ابن مرداس.
والظاهر جواز التأليف عند الحاجة إليه.
فإذا كان في زمن الإمام قوم لا يطيعونه إلا للدنيا، ولا يقدر على إدخالهم تحت طاعته إلا بالقسر والغلب فله أن يتألفهم، ولا يكون لفشو الإسلام تأثير، لأنه لم ينفع في خصوص هذه الواقعة.
وفي المنار: وهذا هو الحق في جملته، وإنما يجئ الاجتهاد في تفصيله من حيث الاستحقاق، ومقدار الذي يعطى من الصدقات، ومن الغنائم إن وجدت، وغيرها من أموال المصالح.
والواجب فيه الاخذ برأي أهل الشورى، كما كان يفعل الخلفاء في الأمور الاجتهادية، وفي اشتراط العجز عن إدخال الإمام إياهم تحت طاعته بالغلب نظر، فإن هذا لا يطرد، بل الاصل فيه ترجيح أخف الضررين.
وخير المصلحتين.

.5- وفي الرقاب:

ويشمل المكاتبين، والارقاء فيعان المكاتبون بمال الصدقة لفك رقابهم من الرق، ويشترى به العبيد، ويعتقون.
فعن البراء قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال، دلني على عمل يقربني من الجنة، ويبعدني من النار، فقال: «أعتق النسمة وفك الرقبة» فقال: يا رسول الله، أو ليسا واحدا؟ قال: «لا، عتق الرقبة، أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين بثمنها» رواه أحمد، والدارقطني ورجاله ثقات.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة كلهم حق على الله عونه: الغازي في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الاداء، والناكح والمتعفف» رواه وأحمد، وأصحاب السنن، وقال الترمذي: حسن صحيح.
قال الشوكاني: قد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى: {وفي الرقاب} فروي عن علي بن أبي طالب، وسعيد بن جبير، والليث، والثوري، والعترة، والحنفية، والشافعية، وأكثر أهل العلم: أن المراد به المكاتبون، من الزكاة على الكتابة.
وروي عن ابن عباس، والحسن البصري، ومالك، وأحمد بن حنبل، وأبي ثور، وأبي عبيد - وإليه مال البخاري، وابن المنذر -: أن المراد بذلك أنها تشترى رقاب لتعتق.
واحتجوا بأنها لو اختصت بالمكاتب لدخل في حكم الغارمين، لأنه غارم، وبأن شراء الرقبة لتعتق أولى من إعناة المكاتب، لأنه قد يعان ولا يعتق، لأن المكاتب عبد، ما بقي عليه درهم، ولان الشراء يتيسر في كل وقت، بخلاف الكتابة.
وقال الزهري: إنه يجمع بين الأمرين، وإليه أشار المصنف وهو الظاهر، لأن الآية تحتمل الأمرين.
وحديث البراء المذكور، فيه دليل على أن فك الرقاب غير عتقها، وعلى أن العتق، وإعانة المكاتبين على مال الكتاب، من الاعمال المقربة إلى الجنة والمبعدة من النار.